وجدت شركات سيارات "عريقة" مثل تويوتا وفولكس فاجن وجنرال موتورز نفسها متأخرة بشكل واضح عن تسلا والشركات الناشئة الصينية في تطوير برمجيات السيارات الكهربائية؛ مسألة أثبتها "مؤشر شركات السيارات الرقمية" الصادر مؤخرا عن وكالة جارتنر للاستشارات الذي يصنف شركات السيارات على أساس القدرات البرمجية في سياراتها.
وبحسب مؤشر جارتنر، لم تصل سوى ثلاث شركات سيارات تقليدية (فورد وجنرال موتورز وبي إم دبليو) إلى قائمة العشرة الأوائل في تكنولوجيا السيارات؛ بينما احتلت شركات صينية مثل نيو و"إكس بينج" و"بي واي دي"، وشركات ناشئة أمريكية مثل تسلا، وريفيان، ولوسيد، أغلب المراكز الأولى.
وصرح السيد أندرس بيل، رئيس الهندسة والتكنولوجيا في شركة فولفو للسيارات، المملوكة لشركة جيلي الصينية، قائلا: "لا شك أن في التحول تحد كبير". ووأكد بيل، وهو مهندس سابق في تسلا، أن التحول إلى سيارات قائمة على البرمجيات لا يتطلب تغييرا في التكنولوجيا فحسب، وإنما نقلة نوعية في عقلية الشركات.
وأطلقت فولفو هذا الشهر سيارتها الرياضية الكهربائية "إي إكس 90" مزودة ببرمجيات متطورة وشرائح من شركة نيفيديا، لتحسين ميزات السلامة والأداء. مع ذلك واجهت فولفو تأخيرات وخلل في تطوير نظام الحوسبة المركزي، أدى إلى غياب ميزات رئيسية مثل التوافق مع نظام تشغيل آبل كاربلاي والشحن الذكي، والمتوقع تضمينها في تحديثات مستقبلية.
التصميم الداخلي لسيارة فولفو EX90 الجديدة.
وتواجه شركات السيارات التقليدية تحديات كبيرة في سعيها لخفض التكاليف وزيادة الإيرادات اعتمادا على البرمجيات. فمثلا ألغت رينو الفرنسية خطط إصدار أسهم في إدارة السيارات الكهربائية والبرمجيات الجديدة هذا العام بسبب تباطؤ المبيعات العالمية لسيارات البطاريات الكهربائية. لكن القسم، المسمى "أمبير"، في طريقه لإطلاق أول سيارة تقودها البرمجيات عام 2026. وتهدف الشركة إلى إنتاج 40 في المائة من أرباح السيارات في مجمل دورة الحياة من البرمجيات بحلول عام 2030، مقابل 10 في المائة حاليا.
وتسعى شركات السيارات لاستقطاب المبدعين من شركات ناشئة وشركات التكنولوجيا الكبرى مثل أبل وجوجل لاكتساب الخبرة اللازمة في مجال البرمجيات. على سبيل المثال، شركة فولكس فاجن عقدت شراكة مع ريفيان الأمريكية في يونيو للتعاون البرمجي بقيمة 5 مليارات دولار. وهي خطوة تلت انتكاسات وتكاليف باهظة في وحدة البرمجيات في فولكس فاجن، وأعدت إلى تعطيل طرح موديلات جديدة.
وواجهت تويوتا تحديات مع شركتها الفرعية المتخصصة في البرمجيات شركة "وفين" (Woven)، التي تكبدت خسائر صافية 126 مليار ين (888 مليون دولار) في العامين الماضيين. ورغم إعادة هيكلة الإدارة بعد تنحي جيمس الرئيس التنفيذي، تظل تويوتا ملتزمة بإطلاق نظامها البرمجي الجديد، أرين Arene، العام القادم.
وحذر جيمس هونج، محلل صناعة السيارات في شركة ماكواري، من أن "فشل تويوتا والعلامات التجارية المرتبطة بها مثل سوبارو ومازدا وسوزوكي في التقدم يعني المخاطرة بحصتها السوقية"، مشيرا إلى أن هذه الشركات قد تضطر للاعتماد على موردين خارجيين مثل أبل وجوجل للحصول على برمجيات متقدمة.
ورغم ضخامة ميزانيات البحث والتطوير، يزعم محللو الصناعة أن شركات السيارات التقليدية لم تستغل مواردها بكفاءة لمواكبة ثورة البرمجيات. ويقترح بيدرو باتشيكو من وكالة جارتنر ضرورة إعادة شركات السيارات النظر في رؤيتها للبرمجيات للحفاظ على تنافسيتها.
Rivian R1S. أعلنت شركتا فولكس فاجن وريفيان مؤخراً عن شراكة برمجيات.
إن جاذبية دمج البرمجيات تتجاوز تحسين الوظائف الأساسية للسيارة؛ فهي توفر فرصا لجلب إيرادات إضافية من خلال جمع بيانات المستخدم وخدمات الاشتراكات. وتقدر وكالة أكسنتشر للاستشارات أن الخدمات الرقمية تمثل حاليا نحو 3% من إيرادات شركات السيارات عالميا، وقد تنمو إلى 3.5 تريليون دولار عام 2040، أي نحو 40% من إيرادات الصناعة.
وتستهدف شركة ستيلانتيس، صاحبة العلامات التجارية جيب وبيجو وفيات، توليد 20 مليار يورو (22.4 مليار دولار) سنويا من منتجات البرمجيات والاشتراكات. لكن الأداء المتراجع لشركات السيارات التقليدية في مؤشر جارتنر يثير تساؤلات عن قدرتها على استثمار هذا النمو المتوقع. ويقدر المحلل كوتا يوزاوا من جولدمان ساكس أن تطوير نظام تشغيل للسيارات قد يكلف نحو 11 مليار دولار.
وأحرزت فورد تقدما ملحوظا بتوظيف مسؤولين تنفيذيين من آبل وتسلا، مثل دوج فيلد، الذي قاد مشروع سيارة آبل. وشهدت الشركة زيادة 40% في اشتراكات البرمجيات في النصف الأول من العام على أساس سنوي، خاصة من خلال قسم فورد برو الذي يركز على العملاء التجاريين. مع ذلك كافحت فورد لتحقيق الربحية في قسم السيارات الكهربائية، ما دفعها للتراجع عن أهدافها السابقة.
ورغم التحديات، تظل شركات مثل فولفو متفائلة. ويرى أندرس بيل أن الاستثمار الأولي في البرمجيات المتقدمة يعود بفوائد طويلة الأجل عبر تحسين سلامة وأداء السيارات بعد البيع وخفض تكاليف تطوير الموديلات المستقبلية.
واختتم بيل حديثه قائلا: "علينا أن نتعلم تبني البرمجيات. فإن لم تتمكن المؤسسة الهندسية من مواكبة سرعة التكنولوجيا العامة في المجتمع، سوف تتخلف عن الركب".