من السهل الاستناد للأرقام وإعلان 2024 عاما حافلا لثورة السيارات الكهربائية. لكن ذلك سيقلل من أهمية الأشهر ال 12 الماضية. فبينما استمرت مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم في النمو، بدأ الواقع يظهر مع تطور مشتري السيارات الكهربائية من مجرد محبين للبيئة إلى سائقي سيارات فائقة. ورفع نوع جديد من المشترين توقعاتهم من حيث الأداء العملي للسيارات وسهولة الاستخدام، مع البحث عن أسعار منخفضة.
ومن المستحيل تجاهل التحولات التكتونية في صناعة السيارات الكهربائية - حيث خفف من حدة النمو المثير للإعجاب والإنجازات التكنولوجية فتور طلب المستهلكين مقابل الطموحات الكبيرة التي وضعتها الحكومات.
في الإمارات والسعودية مثلا أظهر السوق الحديث حماسة كبيرة ونما الإقبال على السيارات الكهربائية.
صورة عالمية
كما أشرنا سابقا، واصلت السيارات الكهربائية مسارها التصاعدي في عام 2024. واكتسبت السيارات الكهربائية حصة سوقية متزايدة، حيث تشير التوقعات إلى أنها قد تمثل 20% من إجمالي مبيعات السيارات عام 2024. وقد تتجاوز حصتها في السوق 11% في الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تصل إلى 25% في أوروبا، وحوالي النصف - 45% - في الصين. نحن نتطلع إلى بيع حوالي 17 مليون سيارة كهربائية هذا العام، مقارنة بأقل من 14 مليون سيارة في العام الماضي - أي بزيادة قدرها 3 ملايين وحدة!
واحتلت الصين الصدارة، حيث تنتج أكثر من 60% من جميع السيارات الكهربائية المباعة في العالم. وقد ننسب هذه الهيمنة إلى مزيج من الحوافز الحكومية، وقدرات التصنيع القوية، والسبق في تطوير البنية التحتية للشحن.
واستمرت مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا في النمو، حتى مع انخفاض طفيف في السوق ككل. ويرجع ذلك جزئيا إلى الإلغاء التدريجي للدعم في بعض البلدان، مثل ألمانيا. كما أثر المناخ الاقتصادي الضعيف بشكل عام، وارتفاع تكاليف الكهرباء، والشكوك السياسية على ثقة المستهلكين في التكنولوجيا الأحدث والأقل شيوعا للسيارات الكهربائية.
وبالنسبة للعديد من الأمريكيين، لا يزال واقع امتلاك السيارات الكهربائية لا يتطابق مع الضجيج الذي لا يزال قائما بسبب الثغرات في البنية التحتية وارتفاع أسعارها.
الإمارات والسعودية: نجمان صاعدان
حسب وجهة نظرك، منطقة دول مجلس التعاون الخليجي إما أن تكون متقدمة على الاتجاهات العالمية أو متأخرة قليلا. إذا كانت الأخيرة، تشهد تراجعا في نموها في السنوات القادمة. مع ذلك يبدو ذلك مستبعدا، حيث أن دولا مثل السعودية والإمارات معزولة عن بعض المشكلات المعروفة التي تقيد نمو السيارات الكهربائية في الأسواق العالمية. فمثلا فهي أقل تأثرا بالمخاوف المتعلقة بثقة المستهلك، أو البنية التحتية المتوقفة للشحن، أو السياسات الحمائية والتعريفات الجمركية التي تطبقها أوروبا وأمريكا لدعم صناعات السيارات الخاصة بها.
وعلى هذا النحو، تخطو المنطقة خطوات كبيرة في ترسيخ مكانتها كقوة ناشئة للسيارات الكهربائية. ومن المؤكد أن الشراكات والاستثمارات الاستراتيجية هي عنوان اللعبة.
ففي الإمارات، عززت شركات السيارات الصينية موقفها، حيث افتتحت شركة بي واي دي، إحدى أكبر منتجي السيارات الكهربائية في العالم، صالة عرض حديثة في شارع الشيخ زايد في دبي. وبالشراكة مع شركة الفطيم للتنقل الكهربائي، عرضت شركة بي واي دي طرازات متطورة مثل سيارة يانغ وانغ يو8 (U8)، القادرة على الانعطاف بالدبابات وحتى الطفو والمناورة في الماء. وبالمثل، نظمت شركة بي واي دي في السعودية إطلاقا مذهلا رفيع المستوى، وحظيت على الفور بإعجاب المستهلكين الذين يبحثون عن مزيج من القدرة على تحمل التكاليف والابتكار.
وشهدت شركات السيارات القديمة مثل فولفو وبوليستار (المملوكة الآن لشركة جيلي الصينية) نموا في عروضها الكهربائية. واستنادا إلى إطلاقها في عام 2022، شهد هذا العام وصول سيارة بوليستار 4، وهي سيارة كهربائية متعددة الاستخدامات عززت جاذبيتها بين مشتري السيارات الكهربائية الفاخرة. كما دخلت شركة تويوتا، أحد أكبر اللاعبين في المنطقة، على خط المنافسة من خلال سيارة تويوتا بي زد 4 أكس bZ4X، وهي سيارة رياضية متعددة الاستخدامات كهربائية بالكامل مصممة لركاب المدن في المنطقة.
وشهدت دبي ارتفاعا سريعا في تسجيل السيارات الكهربائية، بفضل تشجيع حكومة الإمارات النشط على تبني السيارات الكهربائية من خلال الدعم والحوافز والإعفاءات الضريبية والتطوير السريع للبنية التحتية. وبالمثل، في السعودية، رغم أن السيارات الكهربائية لا تزال تمثل نسبة صغيرة من إجمالي مبيعات السيارات، فإن إنشاء أول مصانع لإنتاج السيارات في المملكة يعد لحظة فارقة. بدأت لوسِد بالفعل في إنتاج سيارة السيدان الكهربائية من طراز اير Air EV هناك، وستتبعها شركة السيارات الكهربائية المحلية ”سير“.
صالة عرض BYD في الرياض.
خطوات تكنولوجية في عام 2024
شهد هذا العام تطورات مثيرة في تكنولوجيا السيارات الكهربائية، والتي تهدف إلى معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحا في هذه الصناعة.
ونظرا لأن القلق بشأن المدى الذي يمثل عائقا كبيرا أمام اعتماد السيارات الكهربائية، عملت شركات صناعة السيارات جاهدة على محاربة التصورات السائدة من خلال زيادة مدى القيادة. تقدم شركتا تسلا ومرسيدس سيارات تصل إلى أكثر من 600 كيلومتر، بينما تعد لوسِد أير بقرابة 900 كيلومتر. مع ذلك أعلنت شركة نيو عن إنجاز كبير في هذا المجال، حيث تقول إن سيارتها اي تي 7 (ET7) الجديدة تتخطى حاجز 1000 كم بفضل تركيبة البطارية الجديدة شبه الصلبة.
ووعدت بطاريات ستور دوت StoreDot القائمة على السيليكون بأوقات شحن فائقة السرعة، رغم أن الإنتاج الضخم لا يزال على بعد بضع سنوات. وكشفت شركة زيكر عن تقنية شحن فائقة السرعة، قادرة على شحن البطارية من 10 إلى 80% في 11 دقيقة فقط.
مع ذلك، لا يزال توافر أجهزة الشحن غير مكتمل في العديد من المناطق. في إنجلترا فمثلا، لا يزال بعض مالكي السيارات الكهربائية يواجهون رحلات تصل إلى 25 كم للعثور على نقطة شحن. وكانت الإمارات والسعودية أفضل حالا، حيث قاموا باستثمارات ثابتة في شبكات الشحن بهدف دعم أساطيل السيارات الكهربائية المتنامية.
بدأت الشركات المصنعة مثل شركة بي واي دي في تقديم تقنية V2L (من السيارة إلى الحمولة) وV2G (من السيارة إلى الشبكة)، ما يتيح لطرازاتها الكهربائية العمل كبنوك طاقة متنقلة. وتسمح تقنية V2L بتشغيل أجهزة مثل الثلاجات المحمولة أو أجهزة التلفاز من السيارة - وهي مثالية لرحلات التخييم - بينما تسمح تقنية V2G للسيارات الكهربائية بتغذية الشبكة بالكهرباء، ما قد يحدث ثورة في تخزين الطاقة وإدارة الشبكة.
تعدك لوسِد أير بمدى يصل إلى 900 كم تقريباً.
السيارات الكهربائية أصبحت واقعا
رغم كل العناوين الرئيسية حول المبيعات القياسية، فإن تبني السيارات الكهربائية لم يخلو من التحديات. أعرب المستهلكون في الولايات المتحدة وأوروبا عن شكوكهم المتزايدة، لا سيما فيما يتعلق بمدى قابلية السيارات الكهربائية للسفر لمسافات طويلة. وفي الوقت نفسه، عانى صانعو السيارات في أوروبا من الضغوط التنافسية من الشركات الصينية التي تقدم طرازات أرخص ثمنا.
وأثرت سنوات الاستثمار الجامح في الانتقال إلى إنتاج السيارات الكهربائية بشدة على شركات السيارات القديمة، حيث فشلت في العثور على أحجام المبيعات المطلوبة. ودقّت أجراس الإنذار مع إغلاق المصانع وفقدان الوظائف مع تراجع إجمالي مبيعات السيارات بشكل كبير.
وقد أضر ذلك بصناعة السيارات بشكل خاص حين أعلنت شركات كبرى مثل فورد وستيلانتس عن هذه التخفيضات. ويكشف ذلك عن الفجوة الصارخة بين طموحات السياسة وواقع السوق.
والواضح أن ثورة السيارات الكهربائية بعيدة عن الوضوح. فبينما استمرت المبيعات في النمو على مستوى العالم، فإن الزخم قد تضاءل بسبب تردد المشترين. وكانت القصة في الإمارات والسعودية قصة تفاؤل وفرصة، حيث وضعت هاتان الدولتان نفسيهما في موقع الريادة في التحول إلى النقل المستدام.