مع تسارع وتيرة تحول السعودية نحو مستقبل مستدام، أطلقت المملكة عدد من مبادرات لدعم منظومة التنقل الكهربائي، تشمل وضع أطر جديدة لتراخيص المركبات، وإقامة شراكات لتطوير بنية تحتية لشحن المركبات الكهربائية، ما يؤكد الجهود العملية لتحقيق أهداف رؤية 2030.
إطار ترخيص جديد للسيارات الكهربائية
طبقت السعودية نظاما جديدا لترخيص المركبات في 1 يناير 2025. يقوم النظام الجديد بحساب رسوم التراخيص بناء على قيمة السيارة قبل الرسوم الجمركية، بدلا من سعة المحرك. هذا التوجه أكثر إنصافا ووعيا بيئيا يتماشى مع الاتجاهات العالمية في سياسات السيارات.
يوفر الإطار المحدث فوائد كبيرة للسيارات الكهربائية والهجين؛ حيث يحصل مالكو السيارات الكهربائية على خصم 50% على رسوم التراخيص مقارنة بالسيارات التقليدية، وتستفيد السيارات الهجين من تخفيض 24%. وتنخفض رسوم التراخيص لجميع السيارات 20% بعد خمس سنوات من تسجيلها، ما يعكس انخفاض قيمتها السوقية، ويشجع على تبني خيارات نقل صديقة للبيئة
تطوير النقل العام: نحو مدن أنظف
تشهد مدينة مكة المكرمة توسعا كبيرا في نظام النقل العام بجدة، حيث سيزيد عدد المسارات من 6 إلى 14 مسارا، وعدد الحافلات من 76 الى 91، مع دمج عدة حافلات كهربائية جديدة ضمن الأسطول. تهدف هذه الخطوة إلى تقليل الازدحام المروري وتحسين جودة الهواء، مع توفير وسيلة نقل حديثة للسكان.
ويتماشى إدراج السيارات الكهربائية في الشبكة الموسعة مع جهود السعودية الأوسع نطاقا للتحول إلى التنقل الحضري المستدام. ومن خلال إعطاء الأولوية للاستثمارات في خيارات النقل العام الأنظف، تمهد مكة المكرمة الطريق للمناطق الأخرى لاعتماد تدابير مماثلة، ما يوضح دور المدن في تنفيذ إستراتيجية الاستدامة في المملكة.
البنية التحتية للشحن والشراكات المحلية
لمواكبة الطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، أنشأت السعودية مشروعا مشتركا باسم شركة سمارت موبيليتي (التنقل الذكي). وتهدف هذه الشراكة التي تبلغ قيمتها 100 مليون دولار أمريكي بين شركة فوكسكون انتركونيكت تكنولوجي وشركة صالح سليمان الراجحي وأبناؤه إلى تصنيع محطات شحن السيارات الكهربائية محليا، ما يقلل الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة ويعزز النظام البيئي المحلي للسيارات الكهربائية.
هذا المشروع المشترك يزيد انتشار البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية، ويدعم مبادرات الطاقة المتجددة في السعودية. وتجلب شركة صالح سليمان الراجحي وأولاده، من خلال شركتها التابعة ”نكست تشارجر“، الخبرة في خدمات الشحن، بينما تضيف خبرة فوكسكون في تصنيع الإلكترونيات عمقا تقنيا للتعاون. وبالتركيز على الإنتاج المحلي والخبرات المحلية، تؤكد هذه الشراكة التزام المملكة بتعزيز إطار عمل مكتفٍ ذاتيا ومستدام للتنقل الكهربائي.
وإضافة إلى شركة سمارت موبيليتي، ظهرت شركة البنية التحتية للسيارات الكهربائية كلاعب رئيسي في توسيع شبكة الشحن في المملكة. وهي مشروع مشترك بين صندوق الاستثمارات العامة والشركة السعودية للكهرباء، وتخطط شركة ”إيفيك“ لإنشاء أكثر من 5,000 شاحن سريع في أكثر من 1,000 موقع عام 2030. تهدف هذه المبادرة إلى دعم انتشار استخدام السيارات الكهربائية على نطاق واسع مع ضمان وصول السائقين إلى مرافق الشحن بشكل موثوق. ويؤكد تركيز شركة ”إيفيك“ على دمج التقنيات المتقدمة والمنصات سهلة الاستخدام على دورها في إسراع الانتقال إلى التنقل الكهربائي.
كما حددت مبادرة تطوير البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية في السعودية (SEVCIDI)، التي أُطلقت عام 2021، هدفا يتمثل في تركيب 50,000 محطة شحن في أنحاء المملكة عام 2025. تُظهر هذه التطورات جهودا منسقة بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لإنشاء منظومة قوية للسيارات الكهربائية في السعودية.
وفي العام الماضي، أعلنت شركة الفطيم للتنقل الكهربائي، التي تمثل شركة السيارات الصينية بي واي دي في السعودية، أنها تهدف إلى تركيب 10% من محطات الشحن في المملكة بحلول عام 2030.
طفرة في طلبات الترخيص في قطاع الطاقة
تعكس البيئة المنظمة في السعودية نهجا استباقيا في مجال الطاقة المتجددة والتنقل الكهربائي. فحسب هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن، كان هناك 923 طلب ترخيص في قطاع الطاقة الشهر الماضي، مع اهتمام ملحوظ بالبنية التحتية للسيارات الكهربائية. من هذه الطلبات، تم تقديم 26 طلبا للحصول على تصاريح محطات شحن السيارات الكهربائية العامة، وسبعة طلبات للحصول على تراخيص محطات شحن عامة. توضح هذه الأرقام التركيز الواضح على بناء البنية التحتية اللازمة لدعم الاعتماد المتزايد على السيارات الكهربائية.
نحو مستقبل مستدام
تؤكد جهود السعودية في تطوير بنية تحتية للتنقل الكهربائي التزامها بتحقيق أهداف رؤية 2030. من خلال تحديث هيكل التراخيص، وتوسيع شبكات النقل العام، وإقامة شراكات إستراتيجية، تعمل المملكة على بناء منظومة مستدامة وفعالة للسيارات الكهربائية.
ومع تقدم هذه المبادرات، ترسخ السعودية مكانتها كدولة إقليمية رائدة في التحول للنقل المستدام، بما يساهم في تنويع الاقتصاد ومواجهة التحديات البيئية العالمية بالحلول العملية والفعالة.