منذ نشأتها أصبحت السيارات الكهربائية مغناطيسا جاذبا للتكهنات والخرافات. أحد هذه الخرافات يتعلق بعمر البطارية.. إذ يقول البعض إن العمر الافتراضي للسيارة الكهربائية ليس أطول كثيرا من عمر الهاتف الجوال؛ حيث تدوم الشحنة الواحدة يوما واحدا؛ ثم بعد عام من الاستعمال يسير صاحب الهاتف بكابلات إضافية وبنوك طاقة خشية انتهاء شحن الهاتف.
والحق أن بطاريات السيارات الكهربائية تتراجع قدراتها مع الوقت ولا شك في ذلك. لكن هل صحيح القول إنه بعد آلاف الكيلومترات، تكون السيارة الكهربائية الجديدة مثل جهاز الآيفون القديم؟
الأمر ليس كذلك. فقد أظهرت أبحاث حديثة وبيانات من الواقع أن هذه المخاوف بلا أساس. واعتمادا على كيفية ومكان استخدام البطارية وشحنها، ثبت أن بطاريات السيارات الكهربائية الحديثة متينة وقادرة على تقديم أداء مميز لفترات زمنية طويلة.
وكشفت مؤسسة "ريكارنت" (Recurrent) المعنية بتتبع عمليات استبدال البطاريات، أن نحو 13% فقط من موديلات السيارات الكهربائية التي أنتجت قبل عام 2015 احتاجت استبدال بطاريات. وفي الموديلات الأحدث (بداية من 2016)، انخفض معدل استبدال البطاريات إلى دون الواحد في المئة.
وتتبع بطاريات السيارات الكهربائية منحنى تدهور على شكل حرف "إس" (S) تدهور أولي ملحوظ، وفترة طويلة من التقادم الخطي البطيء، ثم انخفاض حاد مع نهاية العمر الافتراضي. وتسمح فترة التدهور البطيء لمعظم السيارات الكهربائية بالحفاظ على نسبة عالية من سعتها الأصلية لسنوات عديدة.
وهذه أخبار جيدة حيث إن استبدال بطارية السيارة الكهربائية قد يكلف أكثر من 20,000 دولار. مع ذلك ضع في اعتبارك أن جميع السيارات الكهربائية الحديثة تقريبا تأتي مع ضمان بطارية لمدة 8 سنوات أو 160 ألف كيلومتر، ما يغطي انخفاض عمر البطارية عن 70%.
بيانات واقعية عن بطارية السيارات لمدة 15 عاما
لحسن الحظ، هناك سيارات كهربائية في السوق منذ 15 عاما، ما يعني توافر بيانات واقعية عن عمر البطاريات. كشفت دراسة أجرتها شركة "ريكارنت"، بناء على تحليل 15 ألف سيارة كهربائية في الولايات المتحدة، أن معظم بطاريات السيارات الكهربائية تحتفظ بنحو 90٪ من نطاقها الأصلي بعد 160 ألف كيلومتر. وأشار التقرير إلى أن عمر البطارية يتراوح بين 15 و20 عاما، وأنها تدوم أكثر من عمر السيارة نفسها.
وتعد سيارة "نيسان ليف" (Leaf) واحدة من أقدم قصص النجاح في مجال السيارات الكهربائية فقد تم إنتاج السيارة بداية من عام 2010. ويصل عمر البطاريات الأصلية إلى 14-15 عاما. وشهدت الموديلات السابقة (2011-2014) معدلات تدهور البطارية أسرع. وتم طرح بطارية ليزارد (Lizard) جديدة عام 2014 لمعالجة هذه المشكلة.
وبينما توقعت نيسان في البداية أن تحتفظ البطاريات بقدرة 80% بعد خمس سنوات و70% بعد 10 سنوات، تقول الشركة إن التجربة العملية أظهرت تفوق البطاريات على التوقعات واحتفظت بقدرة 75% على الأقل لعقد من الزمن. وتقول نيسان إن جميع بطاريات السيارة "ليف" لا تزال قيد الاستخدام.
شركة تويوتا تقول إن سيارتها bZ4X الجديدة الصادرة عام 2023 تحتفظ بـ 90٪ من عمر البطارية بعد 10 سنوات أو سير 240 ألف كيلومتر.
شكاوى من بطاريات "بي ام دبليو i3" و"تسلا إس"
تم طرح سيارة "بي ام دبليو i3" في عام 2014 بأشكال هجين كهربائية بالكامل وممتدة المدى. وأظهرت البطارية الأصلية بقدرة 22 كيلووات في الساعة تدهورا ملحوظا حيث أبلغ بعض مشتري السيارة عن فقدان نحو 20٪ من قدرة البطارية بعد مسافة 45 ألف كيلومتر. مع ذلك تم تطوير بطارية الـ 33 كيلووات في الساعة منذ عام 2017 بشكل ملحوظ.
ووجد بعض ملاك سيارات تسلا أن البطارية تتدهور بنسبة 2.3% سنويا. وحسب تقرير "تسلا" لعام 2022، احتفظ موديل تسلا إس (الذي تم طرحه عام 2012) بنحو 88% من سعة البطارية بعد سير 320 ألف كيلومتر تقريبا. وتقول تسلا إن السيارة "تسلا إكس"، التي بدأ تسويقها من عام 2015، تحتفظ بأكثر من 90٪ من نطاق البطارية لنفس العمر الافتراضي.
وتوقفت هذه التباينات على مواصفات البطارية، وتشير التقارير إلى أن حزمة بطارية 90 كيلووات في الساعة تتدهور بسرعة أعلى قليلا من بطارية 85 كيلووات في الساعة. وقد ساعدت التطورات التكنولوجية على طول عمر البطاريات، وأظهرت بطارية الـ 100 كيلووات في الساعة أداء أفضل.
نحو عمر افتراضي أطول
حددت شركة تويوتا هدفا في سيارتها bZ4X الجديدة الصادرة عام 2023، وقالت إنها تحتفظ بـ 90٪ من قدرة بطاريتها بعد 10 سنوات أو 240 ألف كيلومتر.
والتقدم في تكنولوجيا البطاريات، وخاصة بطاريات الليثيوم والحديد والفوسفات (LFP)، التي تستخدمها شركات مثل "بي واي دي" وشركة "كاتل" الصينية (CATL)، والظهور المتوقع لبطاريات الحالة الصلبة، يجعل هدف إنتاج بطارية تعيش لنصف مليون كيلومتر واقعيا في ظروف الشحن والقيادة المناسبة.
وتستعين الشركات لإطالة عمر البطارية بتدابير وقائية مثل استخدام أنظمة الإدارة الحرارية وفرض قيود على الشحن.
تقول شركة تسلا إن سيارة "تسلا إكس" تحتفظ بأكثر من 90٪ من عمر البطارية بعد سير 320 ألف كيلومتر.
كيف يتأثر عمر البطارية؟
تساهم عدة عوامل في طول عمر بطاريات السيارات الكهربائية، مثل أنظمة الإدارة الحرارية المتقدمة التي تحافظ على درجات حرارة التشغيل المثالية، وتمنع ارتفاع الحرارة وتقلل التآكل. وتم تصميم البطاريات الحديثة بآليات حماية مدمجة للحد من مستويات الشحن القصوى والدنيا. وتضمن هذه المخازن المؤقتة عمل البطارية في نطاق مثالي طول الوقت.
ويستطيع مالك السيارة الكهربائية اتخاذ خطوات للعناية بحالة بطارية السيارة وتحسين عمرها الافتراضي. والنصيحة المهمة هي تجنب الشحن لأكثر من 80% من سعة البطارية، وعدم ترك الشحن ليقل عن 20% من سعة البطارية. فشحن البطارية بالكامل يزيد الضغط على البطارية، وتفريغها بالكامل يخفض عمرها الافتراضي.
والنصيحة المهمة أيضا هي ضرورة تجنب استخدام أجهزة الشحن فائقة السرعة إلا عند الضرورة لأنها تؤدي إلى تسارع تدهور البطارية. وتجنب درجات الحرارة القصوى والأفضل ركن السيارة في المناطق المظللة. فقد تؤثر الحرارة والبرودة العالية على صحة البطارية أيضا.
وتحتوي معظم السيارات الكهربائية الجديدة على تحديثات للبرمجيات (سوفت وير). تأكد من تمكين التحديثات التلقائية لأن شركات السيارات تُصدر تصويبات جديدة لتحسين إدارة حالة البطارية. وأخيرا، فكر في أسلوب القيادة؛ يمكن لأسلوب القيادة الهادئ تخفيف الضغط على البطارية والحفاظ على عمرها.
السيارة الكهربائية ليست هاتفا ذكيا!
ثبت أن المخاوف من قصر عمر بطاريات السيارات وارتفاع تكاليف استبدالها لا أساس لها من الصحة. وتم تصميم بطاريات السيارات الحديثة لتدوم أطول بكثير من المتوقع، وهناك بيانات واقعية تدعم هذه الحقائق. فاطمئن وأنت تتابع استمرار نمو سوق السيارات الكهربائية، وتأكد أن متانة وموثوقية بطاريات السيارات الكهربائية سوف تتطور بشكل أكبر في السنوات القادمة.
