هل تذكر أيام الماضي؟ يوم كان نظام التحذير من الاصطدام الوحيد هو "عين السائق"؟ وكان تجنب الحوادث يحدث بلف عجلة القيادة بعنفوان شديد؟ وكان الكبح التلقائي هو ضرب دواسة الفرامل بعزم شديد؟ وبدلا من كاميرات الرؤية الخلفية، كنت تدير رأسك 180 درجة؟ هل تذكر يوم كان صف السيارة يحتاج أكثر من محاولة.. وسط حرج شديد أمام المارة الذين يشاهدون ويضحكون؟ هذا تذكر عصر ما قبل اختراع نظام تثبيت السرعة، حين كنا نعاني تشنج الكاحل للحفاظ على سرعة السيارة ونحن نبحث عن كاميرات الرادار؟
في الماضي، كانت المباراة تدور بين السائق والسيارة والطريق.. أي بلا وسيط.. لا خوارزميات تصدر تعليمات لأجهزة التحكم في القيادة عبر أسلاك، ولا أشباه موصلات تأخذ قرارات بدل السائق! أما اليوم، فالتكنولوجيا تقدمت بسرعة وتداخلت معنا، وأصبحت تتحسب لرعونة السائق. أصبحت التكنولوجيا "مربية إلكترونية" تراقب تصرفاتنا على الطريق وتتدخل عند اللزوم!
باتت قيادة السيارة أشبه بقيادة جهاز ذكي مهتم بسلامتك وسلامة الركاب، قد يتحكم في اختيار ما تلبس وما ترش من عطر في السيارة، وفي قرارات أخرى تتخذها على الطريق. هذه ليست مبالغة، بل حقيقة!
"أنظمة القيادة المعاونة" (ADAS) هي الصيحة الجديدة في قيادة السيارة في عشرينيات القرن الحادي والعشرين. وهي تكنولوجيا مثل الصديق الذكي معك في الرحلة.. يتحمل مسؤولية القيادة حتى تتفرغ أنت للمتعة.
فرامل أم عقول مُفكرة: لمحة عن أنظمة معاونة السائق
تاريخيا، بدأت هذه التكنولوجيا بأنظمة الفرامل المانعة للانغلاق (ABS) في ثمانينيات القرن العشرين. كان الفكرة بسيطة: منع الإطارات من الانغلاق عند الفرملة حتى يستطيع السائق التحكم في توجيه السيارة. وقتها كان حضور ذهن السائق لا غنى عنه لمواصلة الضغط على الفرامل عند الحاجة. وهذا النظام أنقذ حياة الملايين.
أدى هذا النظام إلى ظهور نظام التحكم في الجر (TC)، الذي منع العجلات من الدوران. ثم جاء نظام التحكم في الثبات إلكترونيا (ESC) ليضمن عدم تحول القيادة اليومية للسيارة إلى اختبار أداء على طريق وعر. هذه الأنظمة كانت بمثابة عقاقير جعلتنا ندمن الاعتماد على شبكات الأمان الكهروميكانيكية.
الآن انتقل الذكاء بنا من "حماية السائق من الاصطدام" إلى "قيادة السيارة في الازدحام المروري بدل السائق... وصف السيارة أمام المنزل". تستخدم أنظمة معاونة السائق الحديثة الكاميرات والرادار والليدار للقيام بكل هذه المهارات، بدءا من استكشاف الطريق وحتى العودة للحارة المرورية إن خرج عنها السائق.
كان نظام التحكم في الجر نقطة انطلاق مهمة نحو نظام مساعدة السائق الآلي المتطور.
الذكاء الاصطناعي: حاسة سادسة في السيارة
إن كنت تقود سيارة جديدة، قد تجد إمكانيات الذكاء الاصطناعي. قد لا يكون رفيق تستطيع التحدث معه في الرحلات الطويلة، لكنه موجود، ويعمل بهدوء خلف الكواليس.. يشرف على أجهزة الاستشعار (حوالي 100 جهاز استشعار)، وما بين 1000 و3000 شريحة. الذكاء الصناعي هو حاسة سادسة رقمية يقظة دائما للمخاطر المحتملة.
يعالج هذا النظام طوفان بيانات قادمة من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، لمعرفة السيارات الموجودة في النقاط العمياء، والمشاة المشغولين عن الطريق، والحيوانات الصغيرة التي تعبر الطريق الصحراوي في غمضة عين. وتستخدم بعض أنظمة الذكاء الصناعي التعلم الآلي والتطوير الذاتي لتحسين مهاراتها أثناء القيادة.
قد يقوم النظام بالفرملة أو الانحراف أو مد يده وصفع قائد السيارة على وجهه إن عرف أنك تغالب النوم! الحقيقة أنه لن يلجأ إلى صفع السائق، لكن قد يهز عجلة القيادة والمقعد لجذب انتباهك، وأحيانا، قد يوقف السيارة ويتصل بالطوارئ إن شك أنك غير مستجيب وتحتاج إلى تدخل فوري!
أنظمة القيادة المعاونة.. بداية الاستقلال الكامل
وضعت جمعية مهندسي السيارات ستة مستويات من القيادة الذاتية (بدون سائق) متدرجة، وستكون أنظمة معاونة السائق هي ما يصعد بنا هذا السلم وصولا إلى القيادة الذاتية الكاملة. حاليا أصبح لدينا أنظمة معاونة للسائق في المستوى الثالث ويبقى أمامنا مستويان حتى نصل إلى القيادة الذاتية بالكامل. في السطور التالية شرح لكل مستوى:
- المستوى 0: قائد السيارة لديه التحكم الكامل، ويستفيد من دعم أساسي من أجهزة استشعار صف السيارات أو متابعة النقاط العمياء.
- المستوى 1: أتمتة وظيفة واحدة، مثل نظام تثبيت السرعة أو نظام عدم الخروج عن المسار.
- المستوى 2: أتمتة جزئية.. يتولى الجهاز مهام توجيه السيارة وضبط السرعة، في ظل يقظة السائق.
- المستوى 3: أتمتة مشروطة، السيارة تتولى التحكم الكامل مؤقتا (على طريق سريع مثلا)، مع يقظة السائق للتدخل فورا إن لزم الأمر.
- المستوى 4: قيادة ذاتية كاملة في ظروف ومناطق معينة.. لكن يقظة السائق مطلوبة أيضا.
- المستوى 5 (KITT): استقلالية كاملة، والسائق متفرج!
ستصبح المركبات ذاتية القيادة، مثل سيارة أجرة وايمكو هذه في ماونتن فيو كاليفورنيا، أكثر شيوعاً في جميع أنحاء العالم في المستقبل القريب.
وطرحت عدة شركات سيارات من المستوى 3، مثل مرسيدس، وبي إم دبليو، وآودي، وتقترب سيارات تسلا من القيادة الذاتية الكاملة على المستوى 4، حيث تستطيع "استدعاء" سيارتك من الموقف إلى مكانك الحالي.
لكن ماذا يمنعنا من بلوغ المستوى الخامس؟ عدم القدرة على التنبؤ بسلوك البشر عقبة كبيرة! تخيل أحد المشاة غير رأيه في نصف الطريق! ليس البشر وحدهم، بل الأشياء الغريبة أيضا التي يصعب التنبؤ بهاــ كلب على لوح تزلج، سحابة غبار تتجه نحوك، جمل عنيد يتسكع وسط الطريق. وبغض النظر عن براعة البرمجة، حين يظهر جسم غير متوقع، الذكاء الاصطناعي قد يقف شارد الذهن!
حل وسط رائع
حتى نصل إلى المستوى 5، تظل أنظمة القيادة المعاونة حلا وسطا مثاليا. القائد يظل المتحكم، والنظام الذكي يوفر شبكة أمان ويعاون السائق في ركن السيارة مثلا. هذا النظام يجعل الحياة أسهل، ويتدخل في فترات شرود ذهن السائق أو شعوره بالتعب.
كما أن أنظمة معاونة السائق تعودنا على الاعتماد على تكنولوجيا السيارات لتنفيذ مهام القيادة المختلفة. وفي النهاية، قد نرى بأعيننا سيارات بلا سائق في منتصف ثلاثينيات القرن الحالي.. ما يمحنا وقتا للاسترخاء وتصفح مواقع الويب الرائعة.. مثل موقع "إي في لايف" الذي كان من أوائل المبشرين بتكنولوجيا القيادة الذاتية!