بينما تتطور السيارات الكهربائية كل يوم، تدور رحى منافسة شرسة في إحدى جوانب الصناعة.. حرب تكنولوجيا البطاريات. ذلك لأن تطوير تكنولوجيا البطاريات يزيد مدى سير السيارة ويُسرع وقت شحن ويقلل استخدام المواد غير المستدامة؛ وهنا تدور معركة ساخنة بين شركات البطاريات ومنتجي السيارات.
توسيع قدرات بطاريات الليثيوم أيون
تستخدم أغلب السيارات الكهربائية بطاريات ليثيوم أيون، وسيستمر هذا لسنوات قادمة؛ رغم أن هذه البطاريات لا تقدم أفضل أداء ممكن؛ وتحتاج استخراج معادن نادرة مثل الليثيوم والكوبالت في التصنيع. وهي عرضة للتلف مع الوقت.
لكن العلماء من جامعة كولورادو بولدر توصلوا إلى آلية جديدة لإطالة عمر وأداء بطاريات الليثيوم أيون، ما يبشر بتقدم كبير في مجال السيارات الكهربائية وحلول تخزين الطاقة.
وباستخدام جهاز أشعة سينية قوي في مختبر أرجون الوطني التابع لوزارة الطاقة الأمريكية في إلينوي، اكتشف فريق بحثي آليات جزيئية تُساهم في تدهور البطارية مع الوقت.
وكشفت الدراسة بقيادة البروفيسور مايكل توني من قسم الهندسة الكيميائية والبيولوجية بجامعة كولورادو بولدر أن جزيئات الهيدروجين من إلكتروليت البطارية تمنع انتقال أيونات الليثيوم إلى الكاثود، وهو ضروري للحفاظ على تدفق التيار. ويؤدي هذا الاضطراب إلى تراجع سعة البطارية - وهي ظاهرة معروفة جيدا لكنها لم تكن مفهومة قبل ذلك.
واكتشف الفريق أن جزيئات الهيدروجين تشغل مواقع على الكاثود ترتبط بها أيونات الليثيوم، فيقل عدد أيونات الليثيوم المساهمة في نقل التيار الكهربائي. واقترح الباحثون تطبيق طلاء خاص على الكاثود لتحسين أداء البطارية، وزيادة مدى السير بما يصل إلى 60%.
هذا الاكتشاف بالغ الأهمية لصناعة السيارات الكهربائية، التي تواجه تحديات مثل محدودية مدى السير، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وقصر عمر البطارية. وحاليا تستطيع السيارة الكهربائية السفر 250 ميلا تقريبا بشحنة واحدة، أي حوالي 60% من مسافة السيارات العادية.
وبما أن قطاع النقل مسؤول عن 28% من انبعاثات غازات الانحباس الحراري، فإن زيادة نطاق سير السيارات الكهربائية وخفض تكاليفها يشكلان حاجة ملحة. وقد تعهدت شركات السيارات بالتخلص التدريجي من سيارات البنزين وزيادة السيارات الكهربائية استجابة لمخاوف تغير المناخ.
ومن المجالات التي ركزت عليها دراسة جامعة كولورادو بولدر تقليل استخدام الكوبالت في بطاريات الليثيوم أيون. والكوبالت معدن نادر ومكلف، وعنصر أساسي في تصميمات البطاريات الحالية، لكنه يطرح قضايا أخلاقية وبيئية مهمة. ويتم الحصول على أغلب الكوبالت في العالم من جمهورية الكونغو، حيث ارتبط نشاط التعدين بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، مثل تشغيل الأطفال.
وقد عمل العلماء على استكشاف بدائل مثل النيكل والمغنيسيوم للكوبالت. لكن أظهرت هذه البدائل معدلات أعلى من التفريغ الذاتي، ما زاد من تعقيد جهود إيجاد حل مستدام.
وقال البروفيسور توني: "نحن نساعد في تطوير بطاريات الليثيوم أيون بدراسة المستوى الجزيئي. والحصول على بطارية أفضل مهم للغاية في تحويل البنية الأساسية للطاقة من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة".
وانشغل باحثون في جامعة ستانفورد بدراسة تحسين بطاريات الليثيوم أيون. وأجرى فريق في مركز بطاريات ستانفورد دراسة مع معهد تويوتا للأبحاث، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وجامعة واشنطن لتعديل طريقة تصنيع بطاريات الليثيوم أيون لإطالة عمرها.
وتتضمن عملية تصنيع بطاريات الليثيوم أيون شحنة أولية لمدة 10 ساعات عند تيار منخفض. وتعتبر هذه الخطوة ضرورية لتقليل الفقد المبكر لليثيوم، وتطيل عمر البطارية. لكن هذه الممارسة تستغرق وقتا طويلا ومكلفة، ما دفع الباحثين إلى التشكيك في فعاليتها واستكشاف البدائل.
وأجرى الفريق بقيادة جامعة ستانفورد تجربة لشحن البطاريات بتيار عالي لمدة 20 دقيقة فقط؛ أدت إلى خسارة أولية كبيرة لليثيوم. لكن المدهش أنها أطالت متوسط العمر الافتراضي للبطاريات بنسبة 50%.
بطاريات ألياف الكربون؟
حقق باحثون في جامعة تشالمرز في السويد تقدما كبيرا في مجال بطاريات الألياف الكربونية الهيكلية، التي تجمع بين تخزين الطاقة وخصائص التحمل العالية. قد يؤدي هذا الابتكار إلى ثورة في السيارات الكهربائية من خلال دمج البطاريات في هياكل السيارات، ما يقلل الوزن ويحسن كفاءة الطاقة.
وتمتاز أحدث نسخة من البطارية بكثافة طاقة 30 وات/كجم وصلابة مماثلة للألمنيوم، وإن كانت أقل من بطاريات الليثيوم أيون التقليدية. لكن تقليل الوزن يعوض ذلك، ويزيد نطاق سير السيارة بنسبة تصل إلى 70%.
وبدمج البطارية في هيكل السيارة، تقل الحاجة إلى مكونات ثقيلة مثل وحدات جمع التيار ومعادن مثل الكوبالت والمنجنيز. وتعمل هذه المادة على تعزيز الكفاءة والسلامة والاستدامة. وتعد هذه التكنولوجيا الأكثر تقدما حتى الآن، بناء على الأبحاث التي بدأت في عام 2018، حين ثبت لأول مرة أن ألياف الكربون تعمل كأقطاب كهربائية في بطاريات الليثيوم أيون.
وتقدم البطاريات البنيوية فرصة لمستقبل أفضل للسيارات الكهربائية والطائرات بدون طيار وغيرها من ابتكارات، وتقلل وزن الأجهزة وتزيد كفاءتها. ومع استمرار التطوير، قد تلعب هذه البطاريات دورا حاسما في تعزيز النقل المستدام.
بطاريات الحالة الصلبة
بطاريات الحالة الصلبة هي إحدى التقنيات الحديثة المتوقع أن تُحدث ثورة في عالم السيارات الكهربائية. فعلى عكس بطاريات الليثيوم أيون، التي تستخدم إلكتروليتات سائلة لنقل الشحنة بين الأنود والكاثود، تستخدم هذه البطاريات إلكتروليت صلبا، ما يوفر عدة مزايا، مثل زيادة كثافة الطاقة وتعزيز السلامة وإسراع وقت شحن.
ومن أهم فوائد البطاريات الصلبة قدرتها على قطع مسافات أطول. فمع علو كثافة الطاقة، تخزن هذه البطاريات طاقة أكبر في نفس المساحة، وتسمح للسيارات الكهربائية بالسفر مسافات أطول بشحنة واحدة. وفي حين توفر بطاريات الليثيوم أيون مسافات تتراوح بين 320 و480 كيلومترا، قد تزيد البطاريات الصلبة هذه المسافات إلى 800 كيلومتر أو أكثر.
ومن المزايا الأخرى السلامة. فبطاريات الليثيوم أيون تحمل خطر ارتفاع الحرارة والحرائق بسبب الإلكتروليتات السائلة القابلة للاشتعال. بينما بطاريات الحالة الصلبة أقل عرضة للمخاطر لأن الإلكتروليت الصلب لا يشتعل، وهذا يُحسّن السلامة ويطيل عمر البطارية.
ويقود عدد من الشركات جهود تطوير بطاريات الحالة الصلبة، ويهدف بعضها إلى تسويقها نهاية العقد الحالي. واستثمرت تويوتا في هذه التكنولوجيا لإنتاج سيارات كهربائية تعمل ببطارية الحالة الصلبة عام 2027. وتعد شركة "كوانتوم إسكيب" الناشئة في الولايات المتحدة، لاعبا رئيسيا في هذا المجال، وقطعت خطوات واسعة في تطوير هذه البطاريات. وتستثمر فولكس فاجن وبي إم دبليو في هذه التكنولوجيا أيضا، حيث تتعاون مع الشركات الناشئة والمؤسسات الأكاديمية لتسريع البحث والتطوير.
وتعمل شركتا "كاتل" (CATL) و"بي واي دي" (BYD) على تطوير بطاريات الحالة الصلبة. لكن لا تزال الشركتان تركزان على أيون الليثيوم وفوسفات الحديد الليثيوم في الأمد القريب حتى تنضج تقنية بطارية الحالة الصلبة.
وقت الشحن
هناك قطاع آخر يشهد منافسة ساخنة في مجال البطاريات هو سرعة شحن البطارية.
تعد شركة "ستور دوت" (StoreDot) رائدة في تطوير تقنية بطاريات السيليكون ذات الشحن السريع للغاية. ونجحت الشركة مؤخرا في تطوير بطارية منشورية تشحن من 10% إلى 80% في 10 دقائق فقط.
واستطاعت بطاريات الشركة توفير 100 ميل من الشحن في خمس دقائق فقط، وتستهدف خفض هذا الوقت إلى أربع دقائق عام 2026. ومن الطريف أن هذه البطاريات لا تتدهور بسرعة كما تعودنا في حالة الشحن السريع للبطاريات.
وتوفر خلايا "إكس إف سي" (XFC) التي تنتجها شركة "ستور دوت" كثافة عالية للطاقة وموثوقية قوية دون زيادة في التكاليف. وسيجعل هذا التقدم التكنولوجي السيارات الكهربائية أقل سعرا لشركات السيارات وبالتالي للمشتري النهائي.
وأبرمت شركة "ستور دوت" شراكة مع 15 شركة معدات أصلية (OEMs) لاختبار خلايا بطاريتها ودمجها في بنية السيارات الكهربائية الحالية، ما قد يؤدي إلى تغيير كبير في السوق.
وستلعب تقنية البطاريات الجديدة دورا في تقليل "القلق من نفاد الشحن" بين مشتريي السيارات الكهربائية. وكشفت دراسات في المملكة المتحدة وألمانيا أن أكثر من نصف المشاركين مترددون في شراء سيارات كهربائية في المقام الأول بسبب طول أوقات الشحن. هذا رغم الاستثمارات الكبيرة التي تقوم بها الدول في توسيع البنية التحتية للشحن لتلبية الطلب المتزايد.
هذه ليست سوى أمثلة على الابتكارات في قطاع البطاريات. ونظرا لحاجة الشركات المصنعة إلى تسريع طرح السيارات الكهربائية، فإن أي شيء قد يقنع الناس بالتحول إلى السيارات الكهربائية سيحظى بالأولوية. وإطالة مدى الشحن وخفض وقت الشحن عنصران حاسمان في ذلك.