لطالما ارتبط اسم شركة فولفو للسيارات بالسلامة والموثوقية. وفي السنوات الأخيرة، شرعت الشركة السويدية في رحلة طموحة نحو استهداف الحياد الكربوني وتصفير إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحراري بحلول عام 2040؛ ضمن إستراتيجية شاملة تقوم على التحول إلى إنتاج السيارات الكهربائية والتوسع في الاقتصاد الدائري ومحو الكربون من سلاسل التوريد.
كهربة السيارات.. إرجاء وليس إلغاء!
في البداية، تعهدت فولفو بأن تصبح شركة سيارات كهربائية بالكامل عام 2030. لكن في سبتمبر 2024، عدلت الشركة هذا الهدف، حيث تستهدف الآن أن تتكون 90-100٪ من مبيعاتها العالمية كهربائية بالكامل وهجين في عام 2030. ويعكس هذا التحول تغير ظروف السوق ومتطلبات العملاء. وصرحت فانيسا بوتاني، رئيسة الاستدامة العالمية في فولفو، "قللنا من الطموحات التي حددناها للتحول إلى 100٪ من السيارات الكهربائية عام 2030... لأننا نرى أنه رغم أننا مستعدون تماما لذلك، فالسوق ليست معنا بالكامل".
ورغم هذا التعديل، تظل فولفو ملتزمة بالكهرباء. فقد طرحت الشركة موديلات مثل "سي 40 ريتشارج" و"إكس سي 40 ريتشارج" و"إي إكس 90"، وتسعى لتوسيع الإنتاج في أوروبا لتخفيف أثر التعريفات الجمركية على السيارات الكهربائية المصنعة في الصين. وأكد جيم روان، الرئيس التنفيذي للشركة، أن "إجراءات مكافحة تغير المناخ غير قابل للتفاوض، والتحول الكامل للكهرباء خطوة مهمة في رحلتنا الرائدة".
حياد مناخي في التصنيع والتشغيل
تهدف فولفو إلى أن تكون جميع مصانعها محايدة مناخيا في عام 2025. واعتبارا من يناير 2024، تعمل 69% من عمليات الشركة بالطاقة المحايدة للمناخ، مقارنة بـ 55% في عام 2019. و100% من الكهرباء المستخدمة في مصانعها على مستوى العالم محايدة للمناخ، مقارنة بـ 80% في عام 2019.
وحقق مصنع تورسلاندا في السويد الحياد المناخي الكامل، وتبذل الشركة جهودا لتكرار هذا النجاح في جميع مرافقها. وتشكل هذه المبادرات جزءا من هدف فولفو المتمثل في خفض استخدام الطاقة في عملياتها لكل سيارة متوسطة بنسبة 40% مقارنة بمستويات عام 2018 بحلول عام 2030. وفي الصين، تعمل مصانع تشنغدو وداتشينغ بالكهرباء المحايدة للمناخ.
اعتماد الاقتصاد الدائري
تدمج فولفو مبادئ الاقتصاد الدائري في عملياتها، وتستهدف إعادة تدوير 30% من سياراتها عام 2030، مع احتواء طرازات السيارات الجديدة على ما لا يقل عن 35% من المحتوى المعاد تدويره. وتسعى الشركة إلى ضمان إعادة استخدام أو تدوير ما لا يقل عن 99% من جميع النفايات الناتجة عن العمليات.
هذا النهج يساهم في خفض الأثر البيئي ويتوافق مع توقعات المستهلكين بشأن المنتجات المستدامة. وبتصميم السيارات مع مراعاة إعادة التدوير في نهاية عمرها الافتراضي، تصبح فولفو مثالا يُحتذى لزملاء الصناعة.
تصفير الكربون في سلاسل التوريد
وإدراكا من شركة فولفو لأن جزءا كبيرا من بصمتها الكربونية يعود لسلاسل التوريد، تتخذ فولفو خطوات لمعالجة هذه الانبعاثات. وانضمت الشركة إلى مبادرات مثل "ستيل زيرو" (SteelZero)، حيث التزمت بتوريد الفولاذ منخفض الانبعاثات بحلول عام 2030 والفولاذ الخالي من الانبعاثات عام 2050. وتتعاون الشركة مع موردين مثل SSAB وHydro لتطوير الفولاذ والألمنيوم الخالي من الانبعاثات تقريبا على التوالي.
وتشجع فولفو مورديها على التحكم في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري وتصفيرها إن أمكن.
تحديات وانتقادات
رغم أن مبادرات فولفو للاستدامة جديرة بالثناء، واجهت الشركة انتقادات بسبب تعديل أهدافها المتعلقة بالتحول إلى الكهرباء. ويزعم بعض خبراء الصناعة أن تعديل الأهداف قد يبطيء التحول للسيارات الكهربائية بالكامل. لكن فولفو تؤكد أن التعديل جاء استجابة لواقع السوق، مثل تحديات البنية الأساسية وتغير خيارات المستهلكين.
وأشار معلقون آخرون إلى أن قرار فولفو يعكس اتجاهات الصناعة، حيث تعيد العديد من شركات السيارات تقييم جداولها الزمنية للتحول إلى السيارات الكهربائية. وقد يصبح تصنيع مزيج من السيارات الكهربائية، مثل السيارات الهجين، إستراتيجية انتقالية مناسبة لاستيعاب ظروف السوق الإقليمية والبيئات التنظيمية.
ووصف جايلز باركنسون، محرر مجلة "ذا دريفن"، خطوة فولفو بأنها "تراجع عن أحد أكثر أهداف السيارات الكهربائية تقدما في العالم"، مشيرا إلى أن الشركة تُضعف أهدافها المناخية استجابة "لظروف السوق المتغيرة ومتطلبات العملاء".
وعلقت محللة صناعة السيارات آنا ماكدونالد على الوضع الحالي للصناعة قائلة إن تراجع الدعم الحكومي للسيارات الكهربائية ومخاوف المستهلكين من عدم انتشار البنية الأساسية للشحن خفض الطلب على السيارات الكهربائية. وقالت: "لا يزال الأمر كما هو أن السيارات الكهربائية أعلى تكلفة... فلا ترغب شركات السيارات في تكبد خسائر عند إنتاج هذه السيارات".
مستقبل الاستدامة
ورغم التعديلات، تظل رؤية فولفو طويلة الأجل تركز على الاستدامة. وتواصل الشركة الاستثمار في تكنولوجيا السيارات الكهربائية والبنية الأساسية والممارسات المستدامة في جميع عملياتها. وبحلول عام 2040، تهدف فولفو إلى بلوغ الحياد الكربوني، تحقيقا للجهود العالمية لمكافحة تغير المناخ.
وكما ذكر جيم روان، "بينما نتحرك نحو خفض الانبعاثات عبر سلسلة القيمة، علينا مسؤولية بذل المزيد من الجهود ومعالجة بصمتنا على التنوع البيولوجي، والمساعدة في تحسين حياة الناس".
بذلت شركة فولفو جهودا كبيرة في التحول إلى صداقة البيئة. ووضعت خطة شاملة، ورغم بعض العقبات على الطريق، فقد أرست مثالا يحتذي به زملاء الصناعة!