بينما اجتاحت الفيضانات الناجمة عن تغير المناخ بلاداً حول العالم هذا العام، تشهد دبي طوفاناً من نوع آخر: يستعد الآلاف من خبراء المناخ والقادة الحكوميين والشركات والمستثمرين لأسبوعين من المناقشات المكثفة في مدينة إكسبو في مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (كوب 28)، هذا العام. مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ العالمي
سيتم تمهيد المشهد من خلال نشر أول تقييم عالمي يبحث في كيفية تحقيق الدول لأهداف المناخ المعلنة في مؤتمر باريس للمناخ عام 2015. ويوضح أننا لسنا على المسار الصحيح لتحقيق الأهداف التي التزمت بها الدول للحفاظ على ارتفاع متوسط درجات الحرارة عند "أقل بكثير من درجتين مئويتين" مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية. وحسب التوقعات الحالية، نحن نسير على طريق ارتفاع حرارة الكوكب بمقدار 2.4 درجة إلى 2.7 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة بحلول عام 2100.
وسوف يمثل هذا التقييم ضغوطاً على الحكومات الموقعة على الاتفاقية لنشر حلول ذات جدوى لخفض الانبعاثات واختيار المجالات الواجب التركيز عليها. وعلى الحكومات أن تتوافق على استجابة جماعية حيال النتائج الرئيسية للتقرير وتوصياته لاتخاذ مزيد من الخطوات والإجراءات.
وسوف تُهيمن على القمة عدة مواضيع رئيسية منها الحاجة إلى زيادة انتشار الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، وخفض انبعاثات إنتاج الوقود الأحفوري واستخداماته.
Dubai International Airport will see tens of thousands of delegates from 190 countries descend on the emirate for COP28.
وقد دعا رئيس مؤتمر الأطراف 28، الدكتور سلطان الجابر، الحكومات الـ 197 الممثلة في المؤتمر إلى الالتزام بمضاعفة إنتاج التكنولوجيات المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، ومضاعفة معدل تحسين كفاءة الطاقة بحلول عام 2030. وحظيت هذه الأهداف بتقدير كبير ودعم من هيئات مثل وكالة الطاقة الدولية والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، في حين دعمت محادثات المناخ بين أكبر دولتين مصدرتين للانبعاثات في العالم، الولايات المتحدة والصين، مستهدفات الطاقة المتجددة.
والمرجح ألا تثير هذه المستهدفات الجدل نسبياً، خاصة وأننا على طريق تحقيقها. وسوف يُساعد نمو سوق السيارات الكهربائية في تحقيق مستهدف الطاقة المتجددة وتحسين كفاءة استخدام الطاقة. فالسيارات الكهربائية أعلى كفاءة من سيارات الاحتراق الداخلي بمرتين إلى أربع مرات، ويمكن لبطارياتها استيعاب الطاقة المتجددة الفائضة عند ارتفاع مستويات الإمداد، والتغذية العكسية للشبكة في أوقات ذروة الطلب.
وفي دولة الإمارات تحديداً، قد لا يتم التحول للسيارات الكهربائية فوراً من منظور مناخي. وذلك بسبب النقص النسبي في وسائل النقل العام في الإمارات اعتماد الناس على السيارات مقارنة بدول أخرى. وسيكون التحول للسيارات الكهربائية موضوعاً رئيسياً للنقاش في مؤتمر كوب 28.
هناك أيضاً ضغوط متزايدة على شركات النفط المنتجة للوقود الأحفوري للتعامل مع الانبعاثات على المدى القصير والطويل. وفي رسالة إلى أعضاء الوفود الحكومية المشاركة، كتب الجابر أن مؤتمر كوب 28 هو فرصة لتسريع جهود تحول الطاقة عبر بناء نظام طاقة للمستقبل وإزالة الكربون من منظومة الطاقة لبلوغ هدف الحفاظ على حرارة الكوكب عند 1.5 درجة مئوية فوق مستوى الثورة الصناعية. واعتبر الجابر أن التخفيض التدريجي للطلب على جميع أنواع الوقود الأحفوري وإمداداتها لا مفر منه، مُعرباً عن الحاجة إلى سن سياسات داعمة لهذا الهدف.
مندوب دولي يدون ملاحظات أثناء حوارات الخبراء الفنيين قبل المؤتمر. تصوير كيارا وورث، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على موقع فليكر.
وإحدى أسرع طرق خفض الانبعاثات هي معالجة تسرب غاز الميثان. وللميثان أثر يتجاوز بكثير ثاني أكسيد الكربون، وقد دعت وكالة الطاقة الدولية إلى خفض انبعاثات الميثان بنسبة 75% نهاية هذا العقد. إن التطورات الحديثة في قدرات الأقمار الصناعية والتكنولوجيات الرقمية تعني إمكانية التعرف على تسربات الميثان من الفضاء، ما يسمح للجهات المعنية بالتعامل معها بكفاءة وسرعة. وسيكون لاستخدام هذه التكنولوجيات أثر كبير على خفض الانبعاثات، وسوف يُعزز إيرادات الشركات المنتجة للغاز مع زيادة كفاءة استغلال الغاز المنتج.
واعتبرت وكالة الطاقة الدولية أن تسخير الطاقة المتجددة والكفاءة وغاز الميثان وحده يخصم 80% من الانبعاثات اللازمة للوصول لمستهدف حرارة الكوكب. ودعت الوكالة إلى اتخاذ تدابير ضامنة "للانخفاض المنتظم في استخدام الوقود الأحفوري"، مثل حظر محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم، والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. وهذا قد يعني إنهاء استخدام الفحم والنفط والغاز تماماً، واستبدالها بتكنولوجيات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية. مع ذلك ترى عدة شركات نفطية أن العديد من انبعاثات مصادر الطاقة يمكن التعامل معها بتكنولوجيات حديثة مثل احتجاز الكربون وتخزينه.
يبدأ المؤتمر يوم 30 نوفمبر، رغم وجود تحضيرات سابقة لتحضير أعمال المفاوضين. تصوير كيارا وورث، اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على موقع فليكر.
وسوف ينصب المحور الثاني لمؤتمر كوب 28 على وضع "آليات تمويل مبتكرة واسعة النطاق" لدعم مبادرات خفض الانبعاثات في البلاد النامية. ويقول الجابر إن الدول النامية تحتاج إلى استثمارات تتجاوز 2.4 تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030.
وستشهد نسخة هذا العام من المؤتمر تركيزاً متزايداً على آثار تغير المناخ على صحة الإنسان وأنظمة الغذاء العالمية؛ إذ تتسبب النظم الغذائية في نحو ثلث انبعاثات غازات الدفيئة الناجمة عن الإنسان، وتعتبر الزراعة الحديثة أحد أسباب فقدان التنوع البيولوجي.
في الوقت نفسه، أصبحت الأحداث المناخية المتطرفة التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة تهدد قدرة العالم على توفير الغذاء الصحي. وفي ضوء تزايد وتيرة وشدة الظواهر المناخية، سوف يبحث مؤتمر كوب 28 في إستراتيجيات اكتساب مرونة أكبر في مواجهة الظواهر الجوية المتطرفة وغيرها من الآثار المناخية.