دار الزمان على شركات السيارات العريقة! طفرة السيارات الكهربائية طافت العالم. وأكلت شركات السيارات الجديدة غذاء شركات عريقة عمرها خمسين عاما وأكثر. وانتثرت التقنيات الجديدة. فما تفعل الشركات العريقة المهددة في تصوراتها وعلاماتها وهوياتها "العتيقة"؟ ربما تحاول إعادة اختراع نفسها، لعله ينفع!
هذا ما لجأت إليه شركة جاغوار لكن بطريقة جذرية وعنيفة إلى حد ما، حين مسحت الألوان الخضراء البريطانية المستخدمة في السباقات والتعبيرات الخافتة. وأخفت شعارات القطط الكبيرة القافزة. وحلت محلها ألوان صارخة وعارضات أزياء مخنثة وشعار يشبه إحدى شركات العطور، أو شعارات أكثر حميمية.
هذا التغيير فجّر ضجة كبيرة في مجتمع السيارات وعالم التسويق. كيف لشركة بهذا التراث العريق أن تتخلص من تاريخها؟ الشعار لا يعرض حتى سيارة! كانت فضيحة!
تركت عملية إعادة تصور العلامة التجارية جدلا كبيرا لدى جاغوار.
إيلون ماسك - صاحب شركة تسلا المنافسة- سخر من جاغوار، متسائلا عبر شبكته X إن كانت جاغوار تبيع سيارات أم ماذا؟
وتساءل صحافيو صناعة السيارات مندهشين. قال براون كار جاي: "فقدت جاغوار حبكة الإعلان" وعلق على إعلاناتهم الجديدة قائلا: "يجب على شخص ما أن يفعل ذلك الآن بعد اختفاء القطة الكبيرة (من الشعار)"، واعتبر أن إعلانات جاغوار تناسب تسويق حقائب اليد وليس لسيارات. وقامت جاغوار باستبدال رسالة "من الجيد أن تكون سيئا" بعبارة "أنا سعيد لأن أكون مستيقظا". أخذوا كل شيء مميز، كل شيء أعطى جاغوار نغمة خفية، وحولوه إلى أزياء زائفة للنشطاء الاستعراضيين".
هذا التغيير لم يكن الوحيد لدى جاغوار، بل أعلنت أنها ستوقف إنتاج السيارات حتى عام 2026، حين تصبح علامة تجارية كهربائية فقط! يبدو أن الشركات تتمنى أن يكون لدى المشترين ذاكرة طويلة الأمد، وألا ينسوا العلامة حين تعود بعد اختفاء.
ويتابع براون كار جاي: "إن خفض الإنتاج والانفصال عن سيارات البنزين يشبه إلى حد ما التخلص من طفل في ماء الاستحمام. يبدو الأمر وكأنه تخل كامل عن كل ما يميزهم. لن يكون هناك محرك V12، ولا محرك V8، ولا حتى محرك V6. لن تكون هناك سيارة جراند تورينج الصاخبة، ولا سيارة صالون هادرة؟ لا سيارة صالون رياضية منافسة لسيارة بي إم دبليو الفئة الثالثة؟ حين تعود جاغوار، ستكون أكثر هدوءا وسوف تستهدف زبائن بنتلي".
كانت الصدمة كبيرة إلى حد دفع البعض لطرح فكرة أن هذه الخدعة متقنة. فهل تستخرج شركة جاغوار أرنبا آخر من القبعة في إطار عمليات التسويق بالصدمة؟
لا نعلم ما ستفعله جاغوار في الأيام القادمة، لكن هذا ما فعلته مؤخرا!
هل جاغوار وحدها في هذا؟
لم يقتصر الأمر على جاغوار؛ قامت مجموعة من شركات السيارات العريقة أيضا بجهود لإعادة صياغة علاماتها التجارية في العامين الماضيين. لكنها لم تكن بهذه الدراما ولا الصخب!
لكن جميعها عكس تحولات تشهدها الصناعة باتجاه كهربة السيارات وتحديث التكنولوجيا والتحول إلى تصميمات صديقة للتكنولوجيا الرقمية.
لنأخذ شركة أودي مثلا. لم تغير أودي علامتها التجارية بالكامل، لكن أطلقت علامة تجارية جديدة للسيارات الكهربائية في السوق الصينية (تحتفظ باسم أودي). الهوية الجديدة فيها هجرة كبيرة لشعار الأربع حلقات المتشابكة. لكنه يبدو جيدا (وهذا رأي شخصي). ولم نشاهد أي إعلانات مصاحبة للشعار الجديد. وفي دول أخرى، قامت أودي بتسطيح حلقاتها بشكل بسيط.
سيارة AUDI E الاختبارية مع شعارها للسوق الصينية.
في أواخر 2022، كشفت سيتروين عن هوية محدثة تعود إلى جذورها، هي نسخة حديثة من شعارها الأصلي لعام 1919. تضمن التصميم الجديد عودة الشكل البيضاوي الذي يحيط بشعاري Deux Chevrons، إشارة إلى بداية "عصر ديناميكي" يركز على إتاحة السيارات الكهربائية للجميع
The logo history of Citroen over the years.
وحدثت فولفو شعارها بهدوء في عام 2021، واختارت نهجا بسيطا. الشعار الجديد أكثر تسطحا وبساطة، تخلص من الغلاف المستطيل لكلمة فولفو.
وطرحت جنرال موتورز شعارا جديدا أكثر إشراقا معناه "الجميع معنا" (Everybody In) في عام 2021، لاستحضار مفهوم "نظافة السماء في مستقبل بلا انبعاثات" وتسليط الضوء على التزام الشركة بالسيارات الكهربائية.
واعتمدت كيا مؤخرا شعارا جديدا فائق الأناقة، بعيدا عن هويتها التقليدية التي عاشت طويلا.
واحتفظت بيجو بالأسد في شعارها الجديد، وبعيدا عن رمزية التصميم السابق، أصبح الشعار الآن أقرب إلى شركة "إم جي إم".
وقائمة شركات السيارات التي غيرت هوياتها طويلة. بعضها تحفّظ في التغيير وبعضها اتسم بالجرأة الشديدة. لكن جميع الشركات حاولت أن تعكس اتجاها أوسع في صناعة السيارات نحو بساطة التصميم والتوافق مع التكنولوجيا الرقمية ومواكبة التحول للسيارات الكهربائية.
دعونا لا ننسى أن شركات السيارات الصينية الناشئة لم يكن أحد يسمع عنها خارج الصين قبل عامين. ومع ظهورها وهذه الزيادة المفاجئة في شركات السيارات والخيارات المتاحة للمشتري، كان على الشركات العريقة أن تفعل شيئا، ربما تتجرع الجسارة وتتخذ قرارات جريئة، خلت أحيانا من العقلانية!