السيارات الكهربائية ليست مجرد سيارات، بل أرضية للاستقطاب السياسي والجدل الأكاديمي!

لطالما كانت السيارات انعكاسا لشخصية مالكها. تاريخيا كانت الخطوط الأنيقة لسيارة رولز رويس تشير إلى الطبقة الاجتماعية والقدرة المالية لأصحابها. أما سيارة بورشه ذات اللون الأحمر الزاهي فكانت السيارة المفضلة للمصرفيين الشبان، بينما العائلات فضلت دائما السيارات الواسعة وسيارات الدفع الرباعي.

وهناك طائفة واسعة من التصاميم التي تعكس الشخصية والطبقة الاجتماعية والمكانة في حالة السيارات الكهربائية. لكن السمة المشتركة في كل السيارات الكهربائية أن امتلاكها أو الإحجام عن اقتنائها أصبح موقفا سياسيا – في كثير من الأحوال!

فكل وسيلة نقل في الماضي – بداية من الدواب وانتهاء بالسيارات والطائرات – كان الهدف منها عمليا براجماتيا.. وهو السفر من نقطة أ إلى نقطة ب.

أما السيارة الكهربائية فهي أول وسيلة نقل تأسست بالكامل لحل مسألة سياسية كبرى هي تغير المناخ! وهي مسألة خلافية بشكل كبير!

يؤمن 97% من علماء المناخ أن مناخ العالم يشهد تغيرا، مقابل إصرار آخرين على عكس ذلك. الخوف من تغير المناخ مُدمّر لصناعة النقل التقليدية (السيارات التي تسير بالبنزين) والتي عرفها الناس عن ظهر قلب لعقود طوال، والتي بلغت إيراداتها في عام 2023 نحو 2.56 تريليون دولار حول العالم. وفي الولايات المتحدة وحدها بلغ عدد العاملين في صناعة السيارات التقليدية 4364800 عامل العام الماضي.

وأشهر المعارضين لنظريات تغير المناخ في الولايات المتحدة هو الرئيس السابق دونالد ترامب. يقول ترامب أن السيارات الكهربائية تهدد معايش الآلاف من عمال السيارات في الولايات المتحدة (وهو ادعاء نفاه كبار التنفيذيين في الصناعة الذين استثمروا 100 مليار دولار في إنتاج سيارات كهربائية). وقال ترامب أيضا إن السيارات الكهربائية تهدد 10.3 مليون وظيفة في قطاع النفط الأمريكي. ومؤخرا سبّ ترامب داعمي السيارات الكهربائية في تغريدة قائلا: "اذهبوا إلى الجحيم".

في الولايات المتحدة، السيارات التقليدية لها صناعة عملاقة، ما سحب السيارات الكهربائية إلى خط الاستقطاب السياسي الذي كان أحد أقطابه الرئيس السابق دونالد ترامب الذي غرّد سبابا ضد مالكي السيارات الكهربائية.

وفي الولايات المتحدة، ربما أكثر من أي دولة أخرى، انتشار السيارات الكهربائية يعكس حالة الاستقطاب السياسي في البلاد. فحسب استطلاع رأي لمؤسسة بيو للأبحاث أجري في يوليو 2023، عارض 70 في المائة من الجمهوريين خطط الرئيس بايدن للاستغناء التدريجي عن سيارات البنزين والديزل بحلول عام 2035 مقارنة بـ 30 في المائة فقط من الديمقراطيين.

وليس كل الساسة الجمهوريين يقفون عثرة أمام حركة التاريخ مُمثلة في السيارات الكهربائية. أحد هؤلاء هو مايك ميرفي – أحد مستشاري الحملات الرئاسية للمرشح الرئاسي جون ماكين والمرشح أرنولد شوارزنيجر، الذي أطلق في يناير 2024، مشروعا تحت مُسمى "سياسة السيارات الكهربائية" (EV Politics) لتقديم المشورة ومساعدة شركات السيارات الكهربائية في مواجهة معارضة الحزب الجمهوري للسيارات الكهربائية، رغم أن مايك ميرفي عضو في الحزب الجمهوري نفسه، وهو معارض عنيف لسياسات الرئيس ترامب، والأسوأ من ذلك أنه متزوج من امرأة ديمقراطية.

والانتماء إلى الجانب المحافظ في السياسة لم يمنع بالضرورة قادة سياسيين من دعم السيارات الكهربائية. رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان مثال على ذلك. فهو زعيم يميني متطرف في قلب الاتحاد الأوروبي. وفي ديسمبر، أعلنت شركة "بي واي دي" الصينية تأسيس أول مصنع لها في المجر؛ بعدما أعلنت شركة كاتل (CATL) الصينية أيضا تأسيس مصنع للبطاريات في المجر باستثمارات تبلغ 8 مليارات دولار وتحديدا في مدينة ديبريسين شرق المجر.

وبسبب هذا الموقف المنفتح على الصين، واجه رئيس الوزراء فيكتور أوربان معارضة من الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا. واعتبر أوربان أن الخلافات السياسية مع الصين يجب ألا تؤثر على العلاقات الاقتصادية مع بكين، مؤكدا رفض المجر "قبول أي شكل من أشكال الضغط الأيديولوجي" الذي يتعارض مع المصالح الوطنية المجرية.

والنتيجة أنه منذ عام 2020، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي في المجر، وكان فيكتور أوربان الزعيم الأوحد في الاتحاد الأوروبي الذي حضر منتدى مبادرة الحزام والطريق في بكين في أكتوبر.

وتشعر الولايات المتحدة وأوروبا بالقلق إزاء الأثر المالي المحتمل للسيارات الكهربائية الصينية منخفضة السعر عالية الجودة التي تُغرق الأسواق الأمريكية والأوروبية بنفس قدر القلق من التبعات السياسية.

ومن كان يتصور أن يتنافس عملاقا النفط السعودية والإمارات على إدخال السيارات الكهربائية إلى بلديهما. البلدان يحتضنان السيارات الكهربائية بقوة. وفي ديسمبر 2023، تم حصر 25,929 سيارة كهربائية على طرقات الإمارات، ارتفاعا من 15,100 في عام 2022.

تؤمن الإمارات والسعودية بمستقبل السيارات الكهربائية، ويستثمر البلدان بكثافة في هذا القطاع. مثال على ذلك تأسيس شركة لوسيد مصنعا ضخما في السعودية.

وتعمل حكومة الإمارات على الترويج للسيارات الكهربائية من خلال مبادرات مثل إستراتيجية دبي للتنقل الأخضر التي تستهدف تسيير أكثر من 42 ألف سيارة كهربائية في شوارع الإمارات نهاية هذا العقد. وتظهر استطلاعات الرأي أن 82% من سكان دبي على استعداد لشراء السيارات الكهربائية. ويعد إدخال السيارات الكهربائية في قلب هدف الحكومة المتمثل في تحقيق الحياد المناخي عام 2050. 

وأحد الحوافز التي تقدمها حكومة دبي لدعم انتشار السيارات الكهربائية هو توفير المواقف المجانية. وحين ندرك أن رسوم مواقف السيارات في دبي تصل إلى 20 درهما (5.45 دولارا) في الساعة، فإن هذا يعتبر حافزا كبيرا! 

وتستثمر الإمارات أيضا في شركات السيارات الكهربائية الصينية. وفي ديسمبر الماضي، أُعلن صندوق الاستثمار "سي واي في إن هولدنجز" في أبوظبي استثمار 2.2 مليار دولار في شركة السيارات الكهربائية الصينية "نيو" (NIO)، تلا ذلك استثمار مليار دولار في يوليو في نفس الشركة. ويمتلك صندوق الاستثمار حصة 20 بالمائة في الشركة التي يقع مقرها في شنجهاي. 

وتؤمن السعودية أيضا بمستقبل السيارات الكهربائية، وتهدف إلى تصنيعها داخل المملكة. وأصبح لدى السعودية ماركتها الخاصة من السيارات الكهربائية "سير" (CEER)، ولدى المملكة تعاقدات مع شركات السيارات الكهربائية الأمريكية "تسلا" و"لوسيد" لإنتاج السيارات الكهربائية في السعودية.

لكن يبدو أن الصين في طريقها لقيادة سوق السيارات الكهربائية الدولية. ويُنسب الكثير من نجاح صناعة السيارات الكهربائية الصينية إلى الحزب الشيوعي الذي سُرعان ما أدرك الفرصة المستقبلية في هذا القطاع. وبين عامي 2016 و2020، دعم الحزب شركات السيارات والبطاريات الكهربائية بنحو 57 مليار دولار، ما أتاح لها طرح سياراتها بسعر شديد الانخفاض. ويُباع الموديل الأشهر من سيارات "بي واي دي" بـ 11 ألف دولار فقط في الصين.

وشكّل النمو السريع للسيارات الكهربائية في أسواق الصين نقطة انطلاق كبيرة للصناعة وأتاح لها الصعود إلى العالمية. وفي فبراير 2024، أوشكت شركة "بي واي دي" تجاوز "تسلا" في مبيعات السيارات الكهربائية على مستوى العالم.

وكثيرا ما يتعرض الصينيون للنقد بسبب الاعتماد على محطات طاقة تعمل بالفحم. لكنهم أصبحوا في صدارة قطاعات كثيرة في مجال التكنولوجيا الخضراء، وخاصة السيارات الكهربائية. واكتشف الصينيون الفوائد الاقتصادية الوفيرة في الاستثمار المثير للجدل في تغير المناخ، واختاروا الجانب الأنسب لهم!

المنشورات ذات الصلة

المشاركات الاخيرة

أحدث مقاطع الفيديو

11 مارس, 2024