في مجال السيارات الكهربائية، تتفوق النرويج بفارق شاسع عن العالم أجمع. في سبتمبر 2024، حققت النرويج إنجازا تاريخيا بتجاوز عدد السيارات الكهربائية على الطرق عدد سيارات البنزين لأول مرة. وفي وجود أكثر من 754,000 سيارة كهربائية مقارنة بـ 753,905 سيارات لبنزين، يتضح أن النرويج احتضنت ثورة السيارات الكهربائية. لكن كيف وصلت إلى هذا الإنجاز؟ وما الدروس التي يتعلمها العالم من هذه التجربة؟ في هذا المقال نجيب على هذه الأسئلة.
قوة السياسات والحوافز
لم تصل النرويج إلى قيادة عالم السيارات الكهربائية صدفة. فقد وضعت الحكومة أهدافا واضحة مبكرا، مثل هدف عام 2025 في أن تكون جميع السيارات الجديدة خالية من الانبعاثات (كهربائية أو هيدروجينية). كان هذا هدفا طموحا، لكن النرويج دعمت ذلك بسياسات زادت جاذبية السيارات الكهربائية.
وحصل مالكو السيارات الكهربائية في النرويج على امتيازات مثل الإعفاء من ضريبة التسجيل، وضريبة القيمة المضافة، وضرائب وقود السيارات. وحصلوا على تخفيضات في رسوم الطرق ورسوم العبارات ومواقف السيارات. هذه الحوافز جعلت امتلاك سيارة كهربائية ليس فقط صديقا للبيئة ولكن موفرا للتكاليف. فمثلا يمكن لخصم ضريبة القيمة المضافة وحده أن يخفض سعر السيارة الكهربائية بآلاف الدولارات.
مبيعات السيارات الكهربائية: تحطيم الأرقام القياسية
الأرقام تتحدث عن نفسها. في مارس 2024، شكّلت السيارات الكهربائية القابلة للشحن نسبة هائلة بلغت 91.5% من حصة السوق، حيث شكّلت السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطاريات وحدها 90.2% من إجمالي مبيعات الربع الأول من العام. وفي شهر نوفمبر، مثلت السيارات الكهربائية 93.6% من إجمالي تسجيلات السيارات الجديدة. نعم، قرأت ذلك بشكل صحيح - تقريبا كل سيارة تُباع في النرويج هي سيارة كهربائية.
ولا تقتصر المبيعات على أي نوع من السيارات الكهربائية.. كانت سيارة تسلا موديل واي المفضلة لدى الجماهير، حيث تصدر القوائم. ولكن شركات سيارات أخرى، مثل فولكس فاجن وهيونداي، تستفيد أيضا من هذا الاندفاع الكبير في سوق السيارات الكهربائية.
في العاصمة النرويجية أوسلو كانت السيارات الكهربائية في العاصمة النرويجية أوسلو عاملاً مغيراً لقواعد اللعبة، حيث ساهمت في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% منذ عام 2012.
بنية تحتية وشحن بلا حدود
من أكبر العراقيل أمام انتشار السيارات الكهربائية عالميا هو توفر محطات الشحن. النرويج استثناء على هذه القاعدة. استثمرت النرويج بكثافة في بناء شبكة واسعة من محطات الشحن، لضمان حصول سائقي السيارات الكهربائية على مصدر شحن قريب في كل مكان. وسواء كنت في العاصمة أوسلو المزدحمة أو في بلدة نائية بالقرب من أحد المضايق، ستجد محطة شحن قريبة.
هذه البنية التحتية القوية تغير قواعد اللعبة. وتقضي على ”قلق مدى السير“، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الناس يترددون في التحول للسيارات الكهربائية. وأثبتت شبكة سلاسة شبكات الشحن في النرويج أن الاستثمار في البنية التحتية لا يقل أهمية عن حوافز شراء السيارات الكهربائية.
نصر للبيئة وللاقتصاد
على مستوى الصورة الأكبر، أدى تبني النرويج للسيارات الكهربائية إلى خفض الانبعاثات، وهي خطوة حاسمة في مكافحة تغير المناخ. ويعد الهواء النظيف في مدن مثل أوسلو مكسبا آخر، حيث تستفيد الصحة العامة من انخفاض تلوث الهواء.
وفي العاصمة، انخفضت مستويات ثاني أكسيد النيتروجين بشكل مطرد منذ عام 2013، وتراجعت مستويات جسيمات (PM₁₀ وPM₂₅). وغيرت السيارات الكهربائية قواعد اللعبة، فساهمت في انخفاض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 35% منذ عام 2012.
وعلى المستوى الاقتصادي، رغم أن تكلفة الحوافز كبيرة، بدأت الفوائد طويلة الأجل في الظهور. فالنرويج توفر في تكاليف الوقود الأحفوري وتقلل الحاجة إلى جهود تنقية البيئة. ومن نواحٍ عديدة، إنها حالة كلاسيكية للاستثمار قصير الأجل لتحقيق مكاسب طويلة الأجل.
تحديات مقبلة
مع ذلك، الأمور ليست سهلة دائما. فمع انتشار السيارات الكهربائية، تقوم الحكومة النرويجية بإعادة تقييم بعض الحوافز. وينتقد البعض بأن الامتيازات تفيد في المقام الأول ذوي الدخل المرتفع القادرين على شراء سيارات كهربائية جديدة، ما قد يؤدي لعدم المساواة الاقتصادية. ومع زيادة انتشار السيارات الكهربائية، هناك جدل متزايد حول الأثر البيئي لإنتاج هذا العدد الكبير من السيارات.
هل هذا تحدٍ آخر؟ تحقيق التوازن بين الترويج للسيارات الكهربائية والاستثمار في حلول النقل المستدامة الأخرى. فبينما حققت النرويج نجاحا كبيرا في الترويج للسيارات الكهربائية، يرى البعض أن على البلاد أن تستثمر أكثر في وسائل النقل العام لتقليل الاعتماد على السيارات بشكل عام.
دروس مستفادة للعالم
إذا، كيف تستفيد دول العالم من نجاح النرويج؟ هناك بعض الأمور البارزة.
- أهداف واضحة: إن تحديد موعد نهائي لمبيعات السيارات الخالية من الانبعاثات أعطى النرويج هدفا للعمل على تحقيقه، ما حفز صناع السياسات والجمهور على حد سواء.
- حوافز سخية: جعلت الامتيازات المالية السيارات الكهربائية الخيار الواضح للمستهلكين. إن إزالة عوائق التكلفة الأولية أمر بالغ الأهمية لتسريع عملية الانتشار.
- البنية التحتية أولا: جعلت شبكة الشحن الشاملة امتلاك السيارات الكهربائية أمرا عمليا، ما زال عقبة رئيسية أمام المشترين المترددين.
وهنا تكمن المشكلة: نهج النرويج ليس حلا واحدا يناسب الجميع. لعبت ثروة البلاد النفطية دورا كبيرا في تمويل هذه المبادرات، وهو أمر مشابه لما يحدث في الشرق الأوسط. مع ذلك ومع وجود المزيج الصحيح من السياسات والشراكات بين القطاعين العام والخاص، يمكن للبلاد الأخرى أيضا تكييف نهج النرويج بما يتناسب مع ظروفها الخاصة..
الطريق للأمام
إن نجاح النرويج في أن تصبح رائدة في مجال السيارات الكهربائية في العالم هو أمر مدهش. إنه مثال قوي على كيف يمكن للسياسات الجريئة والحوافز الاستراتيجية والالتزام بالاستدامة أن تحدث تحولا في قطاع بأكمله. وبينما يتصارع العالم مع الحاجة الملحة للحد من انبعاثات الكربون، فإن تجربة النرويج هي دراسة حالة تستحق الدراسة والمحاكاة.
ورغم أن رحلة النرويج نحو هيمنة السيارات الكهربائية لا تخلو من التحديات، فإن هناك شيئا واحدا واضحا: إنها تُظهر للعالم ما هو ممكن. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: من يستطيع اتباع هذا النهج؟