قد تكون لاحظت تغييرا راديكاليا في سدة حكم أقوى دول العالم سياسيا واقتصاديا – في الأسبوع الأول للرئيس الأمريكي الجديد في المكتب البيضاوي، أصدر عدة "أوامر تنفيذية" شملت انسحاب أمريكا من اتفاقية باريس للمناخ، وإلغاء دعم السيارات الكهربائية، واستخراج النفط والغاز.
ثم هناك قضية ”الرسوم الجمركية“ - التي وصفها قائد الولايات المتحدة الجديد بأنها ”أجمل كلمة في القاموس“. والرسوم الجمركية في تعريفها الدقيق هي غرامة على الشعب إن استورد سلعا أجنبية. قبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، فرضت الولايات المتحدة رسوما جمركية 100% على السيارات الكهربائية الصينية، في ردة إلى السياسات الحمائية السابقة. والمتوقع أن تزداد التعريفات الجمركية مع تشجيع الإدارة الجديدة لشركات السيارات الأمريكية على تصنيع السيارات التي يريدها المستهلك بمعدل يفوق الخيال!
ظاهريا، قد يبدو هذا الخبر طيبا للشعب الأمريكي، خاصة "عشاق السيارات" الذين يفتقدون محركات V8 العملاقة. لكن حقيقة الأمر أن صناعة السيارات الأمريكية الثقيلة غير قادرة على التحول السريع إلى زمن الكهرباء بهذه السرعة.
وقد تجد الصناعة الأمريكية نفسها متأخرة عن الحركة العالمية، لدرجة لا يمكن معها التعافي، ناهيك عن اللحاق بالركب، بعد فترة (أو فترتين!) من معارضة الجمهوريين (إن استمر ترامب في الحكم فترتين!). وشركات السيارات تدرك ذلك، وربما ستحتفل بمحركاتها الضخمة في الخارج بينما تواصل البحث والتطوير في مجال السيارات الكهربائية وراء أبواب مغلقة.
والسؤال الحقيقي هنا: هذا التحول في السياسة الأمريكية كيف ينعكس على بقية العالم، وتحديدا على الشرق الأوسط؟ إن تركنا جانبا مناقشة الأثر الكبير لإنقاذ المناخ بحيث يتمكن البشر من مواصلة العيش في سلام على الكوكب (ولا نضطر للهجرة إلى المريخ!).
الباب على مصراعيه
بينما تفرض الولايات المتحدة رسوما جمركية مرتفعة، أوروبا ليست بعيدة عن ذلك، حيث تفرض رسوما إضافية بنسبة 35% على السيارات الكهربائية الصينية. في الوقت نفسه، صناعة السيارات الصينية – التي وصلت ذروتها في السوق المحلي- مشغولة بشراء سفن جديدة لشحن كميات هائلة للتصدير.
في العام الماضي، تفوقت الصين على كل دول العالم في تصدير السيارات الكهربائية بحوالي 6 ملايين سيارة. ومع زيادة الطلب على السيارات الكهربائية، قادت الصين هذا التحول، فاستحوذ السوق الصيني على نحو 70% من مبيعات السيارات الكهربائية في العالم.
وباستثناء المملكة المتحدة، التي لم تفرض أي رسوم جمركية على السيارات الصينية، تظل أسواق آسيا والشرق الأوسط مفتوحة للاستيراد، ما قد يضعها في موقع متقدم للاستفادة من هذا الوضع. شركات مثل بي واي دي وجيلي وجريت وول موتورز ونيو وإكس بانج وغيرها، قد تفتح أبوابها لتصدير طوفان من السيارات الكهربائية إلى الإمارات والسعودية، ما قد يخفض الأسعار ويُسرع وتيرة التحول إلى النقل الأخضر في الشرق الأوسط!
سيارات تنتظر التصدير من الصين
لماذا الشرق الأوسط خيار مثالي
متوقع نمو صادرات الصين من السيارات بنسبة 5.8% إلى 6.2 مليون سيارة هذا العام (مقابل زيادة 19.3% عام 2024). لكن مع القيود المفروضة في الولايات المتحدة، لابد أن تذهب هذه السيارات الإضافية إلى مكان ما. هذه الوفرة من السيارات غير المباعة تحتاج وجهة جديدة قد تكون الشرق الأوسط، مع قلة العقبات التجارية في المنطقة وتزايد الطلب على السيارات الكهربائية وأهداف الاستدامة الطموحة. لكن ما معنى هذا للمشترين في الإمارات والسعودية؟
الإمارات والسعودية يتحركان بسرعة كبيرة نحو التنقل الأخضر، حيث يشهد سوق السيارات الكهربائية في الإمارات ازدهارا كبيرا، وكانت هناك أكثر من 28,000 سيارة كهربائية على الطرق في عام 2023، وتخطط دبي لتسيير 42,000 سيارة كهربائية عام 2030. وتهدف رؤية السعودية 2030 إلى جعل المملكة رائدة الطاقة المتجددة مع نشر السيارات الكهربائية، عن طريق مبادرات وطنية مثل إنشاء مصنع لوسيد موتورز في جدة.
ومع وصول إجمالي مبيعات السيارات في الإمارات إلى 275,710 وحدة عام 2023، وفي السعودية إلى 729,466 وحدة، تعتبر هذه البلاد أرضا خصبة لشركات السيارات الكهربائية الصينية. قد يؤدي إضافة المخزون الزائد إلى المعادلة إلى تدفق موجة من السيارات الكهربائية معقولة الأسعار إلى صالات العرض، ما يمثل تحديا للشركات الكبرى مثل تسلا وبي إم دبليو ومرسيدس.
الريادة السعرية هي الأساس
تشتهر شركات السيارات الصينية بأسعارها التنافسية، حيث تطرح سيارات كهربائية مليئة بالميزات بأسعار مخفضة جدا مقارنة بالمنافسين الغربيين. وقد يؤدي تدفق المخزون الإضافي إلى انخفاض الأسعار لتصريف المخزون، ما يؤدي إلى وفرة خيارات أوسع بأسعار مناسبة للمشترين وجعل السيارات الكهربائية في متناول جمهور أوسع. وقد تؤدي المنافسة المتزايدة إلى إجبار شركة تسلا والعلامات التجارية الأوروبية على خفض أسعارها، وقد يسهل ذلك على المنطقة تسريع أهداف الاستدامة، للتماشي مع جهود العمل المناخي العالمي وتحقيق الريادة في هذا المجال.
لكن هناك تحديات. فسمعة العلامات التجارية والمتانة من القضايا المهمة في منطقة الخليج المعروفة بارتفاع درجات الحرارة والأراضي الصحراوية. وقد اكتسبت العلامات التجارية اليابانية والألمانية ولاء في هذه المنطقة بفضل الموثوقية، وعلى الشركات الصينية إثبات ذاتها في هذا المجال. وقد يقلق المغتربون من انخفاض قيمة إعادة بيع السيارات الكهربائية الصينية. كما أن فائض السيارات قد يؤدي إلى اضطراب السوق.
لذلك، قد يكون ابتعاد أمريكا عن استهلاك السيارات الكهربائية مكسبا كبيرا للشرق الأوسط! فمع تدفق السيارات الصينية إلى المنطقة، قد تستفيد المنطقة من معقولية أسعار السيارات الصينية، وقد يصبح الشرق الأوسط رائد النقل الصديق للبيئة! أما بالنسبة للمشترين، فسوف تتسع الخيارات وتتراجع الأسعار ويتسارع مستقبل النقل النظيف!